قراءة تحليلية لنص “كتمان وإرباك” لـ”أحمد سيف حاشد”

يمنات
هذه الحلقة الثانية من ثمان حلقات، وهي رحلة متتابعة في أعماق الكتمان والحب الناقص، حيث تشتعل الروح بصمت وتختنق الكلمات في قلب متيم.
تابعوا معنا حلقات هذا الدفء المكبوت، بين الشوق المدفون والوجع الذي لا يُبوح به.
هذه القراءات التحليلية لنص “كتمان وإرباك” للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر” أنجز باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي.
قراءة وجدانية أسلوبية
هذه القراءة تنطلق من الإحساس الداخلي وتتفحّص أدواته التعبيرية وبناءه النفسي.
النفس المحترقة
النص اعتراف طويل مؤجَّل، أو سيرة كتمان أكثر منها سيرة حب. حاشد لا يروي قصة علاقة، بل يروي قصة احتباس: احتباس الشوق، واحتباس الصوت، واحتباس الفعل.
هيفاء ليست فقط معشوقة؛ إنها مركز الجاذبية الذي يدور حوله الانهيار الداخلي، حتى يبدو الحب هنا قوة طبيعية مدمّرة، لا علاقة إنسانية متوازنة.
الوجدان في النص
حب فائض يتخم الروح حتى الانفجار
واقع قاسٍ يفرض الصمت والانسحاب والمهانة المتخيلة
وهنا يولد العذاب الحقيقي: ليس لأن الحب بلا مقابل فقط، بل لأن الذات ترى نفسها غير جديرة بالاعتراف.
حاشد هنا؛ لا يُقمع من الخارج، بل يقمع نفسه بنفسه، باسم الكرامة، وباسم الفقر، وباسم الهزيمة الاجتماعية.
الحب الناقص في النص ليس ناقصاً شعورياً، بل ناقص العدالة: “الحب بدون تكافؤ فُرصه، عدالة تشبه أسنان التمساح.” وهي من أقسى الجمل الوجدانية في النص، لأنها تحوّل الحب من عاطفة إلى محكمة ظالمة.
لغة الضغط والتهشيم
أسلوب التراكم والاختناق
الجمل طويلة، متلاحقة، متشابكة، كأنها أنفاس محبوسة تبحث عن مخرج. لا فواصل مريحة، ولا استراحات وجدانية.
القارئ يختنق كما يختنق المتكلم.
هذا الأسلوب يخدم الفكرة الأساسية:
الكتمان لا يهدأ… بل يتكاثر.
هيمنة الصورة العنيفة
النص مشبع بصور: السحق، الفرم، الاحتراق، المنشار، البركان، الخيل، التمساح. والحب هنا غير رومانسي، بل جسدي عنيف، يترك كدمات داخلية.
وحتى الصور اليومية (معجون الأسنان، السيارة المعطلة) تُستعمل لإذلال الذات، لا لتلطيف الألم.
الجسد كخائن
من أجمل التحولات الأسلوبية: “جسدي ملكي وزمامه بيدي، وفي حضرتها يتخلى جسدي عنّي”
والجسد هنا يتحوّل من أداة سيطرة إلى موقع هزيمة.
الارتباك ليس نفسياً فقط، بل فيزيائي: لون الوجه، ارتعاش اللسان، العرق، الشلل.
لبّ النص
الإرباك ليس عرضاً عابراً، بل هوية: إرباك العين، إرباك الجسد، إرباك القرار، إرباك اللحظة.
وكلما اقترب الفعل (الاعتراف)، انهار الزمن: اللحظة تأتي… ثم تفوت… ثم تتلاشى.
. وهنا تتجلى مأساة النص:
البطل لا يخسر هيفاء فقط، بل يخسر اللحظة نفسها، مرة بعد مرة.
المفارقة الكبرى
أشد المفارقات إيلاماً أن: الآخر (الرفيق) يرى الحب بوضوح
العاشق نفسه يعجز عن رؤيته كحق مشروع. الرفيق يقول: اقطف زهرة
لكن المتكلم يرى نفسه بلا يد.
هذه المفارقة تكشف أن العائق الحقيقي ليس هيفاء، بل الصورة التي يحملها الكاتب عن نفسه.
خلاصة وجدانية
النص ليس قصيدة حب، بل مرثية ذات.
مرثية لرجل أحب بعمق، لكنه عاش الحب كجريمة سرية، لا كحق إنساني.
إنه نص عن: الخجل الاجتماعي، الفقر الرمزي، الهزيمة أمام الذات، والخوف من أن يكون الحب فضيحة لا خلاصاً، ولهذا يبقى النص مؤلماً، صادقاً، ومربكاً.
لأنه يضع القارئ أمام سؤال موجع: كم حباً فينا مات، لا لأننا لم نُحَبّ، بل لأننا لم نجرؤ على القول؟
سيكولوجية الكاتب
في أعماق أحمد سيف حاشد، حبّ مكتوم يحرق الروح بصمت، كل شعور متأرجح بين شغف جارح وعجز مرير.
الكلمات عنده تتكدس كجمر تحت الرماد، تنتظر لحظة الانفجار التي لا تأتي إلا في لحظة صمت أو إرباك.
جسده يخون نفسه أمام من يحب، وعقله يمارس رقابة صارمة على كل نبضة، وكل نظرة، وكل كلمة تكاد تهرب من قلبه.
هو عاشق مأسوي ومحاصر بين النار التي تشعل كيانه، والكرامة التي تمنعه من البوح، بين الرغبة والرهبة، بين الحلم والواقع. الحب عنده ليس شعوراً، بل حرب داخلية، صامتة، عنيفة، مستمرة، تجعل من ذاته مساحة للانكسار والولع معاً.
سوسيوولوجيا
نص أحمد سيف حاشد يعكس صراع الفرد مع الضغوط الاجتماعية والمعايير الثقافية أكثر من كونه مجرد قصة حب شخصية.
الكاتب يعيش حباً مكتوماً لأنه محكوم بقيود اجتماعية واقتصادية: الفقر، العمر، وضعه الاجتماعي، وعدم إمكانية الوصول إلى الطرف الآخر بحرية، تجعل من الاعتراف بالحب أمراً صعباً وخطيراً على كرامته.
الكتمان والإرباك الجسدي والنفسي يعكسان الضغط الاجتماعي على التعبير العاطفي، حيث تتحول المشاعر إلى عبء داخلي مستمر.
الحب هنا ليس تجربة متبادلة، بل موقع صراع بين الذات ومجتمعها، بين الرغبة الشخصية والمعايير التي تحدد من يمكن أن يُحب ومن لا يمكن.
تكثيف
النص يظهر الحب كمساحة مأزومة اجتماعياً، حيث تتحول العاطفة الفردية إلى رمز لانكسار الفرد أمام القيود الاجتماعية، والصمت يصبح وسيلة للحفاظ على الذات في مجتمع لا يمنح مساحة كاملة للاعتراف العاطفي.
مقارنات
يمتاز نص أحمد سيف حاشد “كتمان وإرباك” بالعديد من السمات، ومن أبرزها: الحب مكتوم، مأساوي، وحصري على الذات، الكتمان يشكل ثقلاً نفسياً وجسدياً، الأسلوب متراكم، طويل، متشابك، مع صور عنيفة (المنشار، النار، الخيل)، الإرباك حاضر بشكل مستمر: جسد، عين، لحظة، نفس، والعلاقة مع الآخر غير متكافئة، والحب يعاني من “عدالة التمساح”، مع شعور بالعجز والهزيمة أمام الذات والواقع الاجتماعي.
نصوص اعترافية عربية
نزار قباني – الحب المكتوم
مثال: رسائل الحب في ديوان “أحلى قصائد نزار قباني”:
الوحدة والاعتراف: نزار يبوح مباشرة، لكنه بأسلوب رقيق وغنائي.
الكتمان: موجود، لكنه أقل عنفاً جسدياً، وأكثر تجسيداً شعورياً وعاطفياً.
الإرباك: يظهر في الرهبة من البوح، لكنه لا يتحول إلى انهيار جسدي كامل كما عند أحمد سيف حاشد.
اللغة: بسيطة وواضحة، تعتمد على الشعرية والرمزية، أقل تراكمية.
الفرق الأساسي: حاشد يجعل القارئ يعيش الانهيار النفسي والجسدي، بينما نزار يكتفي بالغناء عن الحنين والشوق.
إلياس خوري – الاعتراف الشخصي المكثف
في رواياته مثل “باب الشمس” أو مقالاته اليومية:
الاعتراف السياسي والشخصي مختلط: غالباً ما يمزج بين الحب والوجدان الاجتماعي أو السياسي.
الكتمان: موجود، لكنه غالباً ما يكون رمزيّاً أو مبدعياً (الأشياء غير المعلنة بين السطور).
الإرباك: يظهر في الصراع الداخلي والذاكرة، أقل جسدياً وأكثر فكرية.
الأسلوب: مركب، لكنه غالباً أكثر انتظاماً من تراكم الجمل العنيفة لدى سيف حاشد.
الفرق الأساسي: أحمد سيف حاشد يركز على الحب الفردي والوجدان الموجع، بينما خوري يضع الفرد في سياق اجتماعي وسياسي.
غادة السمان – الاعتراف الجنسي والعاطفي
في نصوص مثل “أبجدية الغرام”:
الاعتراف: صريح ومباشر، يبوح بالحب والجسد والعاطفة.
الكتمان: موجود، لكنه غالباً ما يتحول إلى مواجهة أو تمرد.
الإرباك: مركّز على الرغبة والحرج الاجتماعي، أقل عنفاً جسدياً.
اللغة: شعرية، لامعة، تعتمد على التورية والوصف الحسي.
الفرق الأساسي: أحمد سيف حاشد يجعل الإرباك يتجاوز الحميمية إلى شعور بانهيار الذات أمام الآخر، بينما غادة السمان تبقي البطل أو البطلة محتفظين ببعض السيطرة على العاطفة.
أحمد سيف حاشد يتميز عن النصوص العربية الأخرى في تكثيف الكتمان والإرباك الجسدي والنفسي، حيث يصبح الحب تجربة تقليص الذات والانفجار الداخلي أكثر من كونه اعترافاً أو وصفاً شعرياً للحب.
نصوص اعترافية أجنبية
مارسيل بروست – الاعتراف الداخلي المكثف في (البحث عن الزمن المفقود)
الاعتراف: داخلي جدًا، عميق، يعتمد على تحليل الذات والذاكرة.
الكتمان: موجود، لكنه غالبًا ضمن النفس، دون انهيار جسدي.
الإرباك: يظهر عبر الحنين والذاكرة، وليس عبر جسد يهتز أو وجه يحمر.
اللغة: تراكمية، طويلة، مع الكثير من التورية النفسية والفكرية.
الفرق: أحمد سيف حاشد يجعل الإرباك جسديًا ووجدانيًا حادًا، بينما بروست يميل إلى الإرباك الذهني والذاكري.
سيمون دي بوفوار – الاعتراف العاطفي والفكري
في “Les Mandarins” وكتاباتها الشخصية
الاعتراف: عاطفي وفكري في الوقت نفسه، صريح لكنه متزن.
الكتمان: موجود، لكنه غالبًا مرتبط بالخوف الاجتماعي أو النقد الذاتي.
الإرباك: يظهر في الصراع بين الرغبة والواجب، لا في انهيار الجسد.
اللغة: مباشرة، متسلسلة، أقل شعريًا من سيف حاشد.
الفرق: الحب عند دي بوفوار تجربة فكرية وعاطفية، بينما عند أحمد سيف حاشد تجربة انفجار وجداني وجسدي.
فيرجينيا وولف – الاعتراف النفسي المتشابك
في “To the Lighthouse” أو “Mrs Dalloway”:
الاعتراف: داخلي، متدفق مع وعي الشخصية.
الكتمان: موجود، لكنه يظهر كصمت داخلي، وتفكير عميق، وليس ضغطًا جسديًا.
الإرباك: داخلي نفسي، من تدفق الأفكار، وليس انهيار الجسد أمام الآخر.
اللغة: تراكمية، مجازية، مع تيار وعي مستمر.
الفرق: أحمد سيف حاشد يجعل الإرباك حادًا وملموسًا جسديًا، ومرئيًا للقارئ، بينما وولف تظل التجربة فكرية ونفسية داخلية.
إرنست همنغواي – الاعتراف المكثف بالحب والصمت
في “A Farewell to Arms”:
الاعتراف: مقتضب، مباشر، عاطفي، يعتمد على الصمت بين الكلمات.
الكتمان: جزء من القوة الداخلية للشخصية، لكنه هادئ.
الإرباك: يظهر في الصمت، وليس في انهيار أو تفتت داخلي.
اللغة: مختصرة، قوية، بسيطة، بعكس تراكمية سيف حاشد.
الفرق: همنغواي يستخدم الاختزال والتلميح، بينما حاشد يستخدم التفصيل المكثف والانفجار الداخلي.
أحمد سيف حاشد يتميز عن النصوص الأجنبية المشهورة في تكثيف الكتمان والإرباك الجسدي والنفسي، وتحويل الحب إلى تجربة انهيار وجداني كامل.
النصوص الأجنبية غالباً ما تحافظ على سيطرة الشخصيات على حد ذاتها أو تجعل الإرباك ذهنياً/وجدانيًا، بينما عند حاشد يصبح الحب قوة خارجة عن السيطرة الجسدية والنفسية.
نص “كتمان وإرباك”
أحمد سيف حاشد
كنتُ كتوماً جداً يا هيفاء.. أخفيتُ الشوق اللاعج في فج شجيته عميقاً في قعر البئر.. أودعتُ السر في عمق الفج بعيداً عن عين الشمس.. كتمتُ أنفاسي حتى لا تذروها الريح.. قمعتُ آهات الوجع الصارخ في عمق الروح.. كتمتُ الحب في أعماقي وعشتُ مهدود الحيل.. مهما كان حيلي مشدوداً كخرسانة برج عالٍ، أو جبل ضارب عمقه، فالحب المكتوم يا “هيفاء” يهدُّ الحيل.. حبك سرِّي الأول، مدفون في العمق الداجي، لا يعلمه مخلوق غيري أو شاشة رصد.
كنتُ كتوماً وعصياً على البوح.. لن أوصي وأبوح بسري حتى لظلّي.. لن ينتف منه الموت قلامة ظفر.. سري لن يعرفه غير القبر المغلق إن وافاني الموت.. كتمانه في أعماقي سحقني يا هيفاء كدكاكه.. بتُ كمعجون الأسنان تحت سنابك خيل.. مفروم ما بقي مني بأحدث آلة فرم.. ظل السر المغلق يأكلني كمنشار، ويتفتت حيلي كنشارة خشب تأكلها النيران.. الحب الناقص يا هيفاء يتلظّى ويتأجج في أعماقي كبركاناً.
سنتان من الحب يا “هيفاء”، بلغت بي عمر الستين.. بالصمت أمضغ خيباتي بالطول وبالعرض.. أحاول أداري عنك إرباك الأعين، وعيونك تدري ولا تفهم.. الشوق المجنون يشعل حرائقه في شراييني، وصقر يتحفز محبوساً في قفصي الصدري بين ضلوع تأكلها النيران.
تيَّمني الحب الناقص رغماً عنّي يا هيفاء.. تخفًّيتُ وتواريتُ بـ “التقية”.. ضربت على نفسي أسوار العزلة.. البوح في الحب الآتي من طرف واحد خزي ودوس كرامة.. الكتمان عزّ من ذلٍ ومهانة.. ما أقسى هذا الحب يا هيفاء، وما أشدّه على من أحب.
في جحيم الحب الناقص صلّيتُ منفرداً دون جماعة، ومن أبحث عنها لا تسأل عنّي، ولا تدري أني مصلوب بالحب الناقص بين ذراعيها.. الحب بدون تكافؤ فُرصه، عدالة تشبه أسنان التمساح.
جازم إنسان رائع.. أستاذي ورفيقي ومسؤولي الحزبي.. طرق يوماً باب القلب المثقل بأحمال الحب البالغ فيه حد الإعياء.. سبر أغواري كخبير وطبيب مختص، وأشار بلمح سؤال خاطف، ونحن نتمشّى على أرصفة الشارع: لماذا لا تقطف زهرة من هذا البستان؟! البستان أمامك والأزهار على مد اليد.. اقطف زهرة !! لا تترك زهرات العمر تأكلها الأغنام!! فشعرتُ بأن مجس طبيب أصاب وجعي والداء.. أحسست أن رفيقي عرف مصابي البالغ.. عرّاف عرف ما بي من حب وصبابة.. فتساءلت مع نفسي في لحظة إرباكي: كيف نفذتَ إلى أعماقي يا رفيق المبدأ والنقد الذاتي؟! كيف سمعتَ صوت نبضاتي وخفقات القلب؟!!
ما أصعب حالي وأنا أداري ما في نفسي من حب بات أكبر منّي.. لم أعترف لرفيقي بمصابي.. حاولتُ أكابر على جرحي الغائر في أعماق الروح.. أنكرتُ دوائي والداء، فيما النار كانت تشب في كياني شبّا، وأنا أحاول أن أخمدها في لحظة إرباك، فيما كان الخجل يطويني كقرطاس.. أسأل نفسي: كيف أطلب يدها ويدي مخلوعة من الكتف!! كيف أطلب يدها، وحالي أضيق من خرم الإبرة!!
كيف يمكنها أن ترضى بي للعمر وللمستقبل، وأنا أذوي مكسوراً مهزوماً أمام الشمس كشمعة.. محسوراً منحسراً لا جاه، لا مال، لا بيت يليق بملكة!! كيف يمكنني أن أتجاوز هذا الحب اللاعج والمخزون بكثافة، وهي تطل على وجهي كل صباح، وتمر عليّ في الحلم كنسمة بحر؟!!
أجمع أشتاتي وألملم أشلائي، وأعزم أن أكشفَ لها حبي الجم.. لا بأس هنا أن أبحر بحديثي من أطراف الدنيا وأجتاز اليم.. لا بأس هنا أن أفعل ما يفعله زميلي قائد مع الأستاذ حامد في الدرس.. سأنتظر مهما تمادى الوقت لأطيل حديثي معها.. سأحشد ما أملك من ذخر الكلمات، لأحدثها عنّي، وعمّا يعتلج في القلب من أوار الحب.
وحين تحين اللحظة لأبدأ.. تفوت اللحظة وأنا أحاول بمشقّة من يحمل صخره أكبر منه.. أبدو كسيارة أدركها العطب في أول وهلة.. تتلاشى الكلمات ولا تبقي كلمة.. أتبدد وأتلاشى معها.. وكأن هيفاء تملك تعويذة، أو مفعولاً سحرياً يبدد كل الكلمات.. لا يبقى منّي شيء غير إرباك يشبه الزلزال.
شجاعتي التي أجمعها من شهر طال للبوح لها عمّا في النفس، في لحظة تصير حطاماً ونثاراً، بمجرد أن ترمق عيناها عينيَّ.. يمتقع وجهي ويشحب.. يصفر ويحمر ويسود.. ولساني تلتُ كلاماً بلغة لا أفهمها.. مرتجف ومرتعش كالمغزل.. وسهام من سحر عينيها تفتح في القلب نفقاً ومغارة، فأعود أجر قدري المنحوس، وأنا مهزوم مكسور خائب.
جسدي ملكي وزمامه بيدي، وفي حضرتها يتخلى جسدي عنّي، بل ونصير الاثنين مملوكين لها.. أصير أنا لا أملك نفسي ونفسي لا تملك جسدي.. الكل هنا رهن بنان إشارتها، وطوع اليد.. ننتظر منها أن تفرج عنّا ونحن نتصبب عرقاً.. نرجوها أن تطلقنا في لحظة تشتدُّ علينا، ويشتد فينا الإرباك؛ فتطلقنا شفقة لوجه الله.
***